ونحن نعيش شهر الرحمة تحلو العودة الى منابعه في قراءة تفسير القرآن لنجد ان الديانات حضت على المحبة لتحلو الحياة فنتجاوز صعوباتها، وما المحبة إلا لبنة في بناء الفرح فسرهاجبران في كتابه النبي حين قال: إذا اشارت المحبة اليكم فاتبعوها، وإذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها، وإذا خاطبتكم فصدقوها، المحبة تغربلكم لكي تحرركم من قشوركم وتجعلكم انقياء كالثلج .
اضيف إلى ما قاله جبران : فإن تاهت المحبة عنكم اخترعوها لتعيشوا سعداء لا شيئ في الدنيا يجمل الحياة ويجعل لها طعما فريدا قدر محبة الناس، ولا ثروة مهما كانت توازي ثروة المحبة ... هذه الثروة الإنسانية لا تجنى مجانا بل بالعطاء بكل أنواعه فمن يعط المحبة تعود عليه، ومن يحجبها عن الناس تحجب عنه .. ألم يقل المعلم: المحبة لا تعطى إلا ذاتها ولا تأخذ إلا من ذاتها !!..
المحبة تكون عامة شاملة يحضر فيها العقل والقلب والروح ترسم الإبتسامة المريحة على الوجه ... أي أن مفاتيح المحبة تبدأ من تعابير الوجه بالإبتسامة، ومن ثم طراوة اللسان ونقاء القلب .. فكم من نفوس تعبة هزمتها ابتسامة محبة فأزالت عنها شقاءها.
دعا إليها إيليا أبو ماضي في قصيدته المشهورة حين أنشد:
قال: السماء كئيبة وتجهما
قلت ابتسم يكفي التجهم في السما
قال: العدى حولي علت صيحاتهم
أأسر والأعداء حولي في الحما
قلت: ابتسم لم يطلبوك بذممهم
لو لم تكن منهم أجل وأعظما
المحبة تغطي المساحات الداكنة في نفوسنا فتنيرها، تغسلنا من همومنا وتعيد لنا سلامنا .. تدخل على الشر فتهزمه، وعلى المتخاصم فتصالحه، وعلى المريض فتشفيه، وعلى المكتئب فتفرج عنه، وعلى الظالم فتحد من ظلمه، وعلى القاسي فتلينه.
ولما كانت المحبة أنثى فهي أكثر فاعلية ان جاءت من قبل المرأة التي تنشر عطرها الأخاذ الذي يستحوذ على مشاعر الرجل فينجذب إليها، يرق قلبه ويلين ...
تبدأ المحبة من الأم حيث المخزن الأصلي لها يشربها الطفل مع الحليب تختمر في داخله لتتحول حبا يعمر به الكون...
المحبة سر الإنسانية الجميل لولاها لاستفرس البشر ونهشوا بعضهم وفي بعضهم ولاندحرت قيم العدالة، وعمت الفوضى، ومات الناس هما وغما...
من مهام المحبة أن تغزو البشر لتجردهم من اسلحة الشر وهي في الحقيقة اسلحة الدمار الشامل، وتعلمهم كيف تغدو الحياة جميلة حين ينزعون شوك الشر من حديقتهم ويستبدلونه بالورد ويتعلمون كيف تدخل المحبة على الأشياء فتغيرها، فالكلمة الطيبة تصبح قصيدة غزل، والشجرة في نظر المحب تتحول إلى غابة ... ورغيف الخبز يكبر ليغدو وليمة ... ودمعة المحبوب تضحي شلالا من اللؤلؤ، وبيت الشعر يصبح قصرا منيفا ... المحبة تجعلنا نتصالح مع أنفسنا فتغدو أخطاء الآخرين صغيرة فنتصالح معهم ...
احبب فيغدو الكوخ كونا نيرا
وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما
إذا دخلت المحبة على المشاكل مزقتها، وعلى المصاعب حلتها وعلى المصائب هونتها للمحبة سحرها الأخاذ، أدواتها عقل سليم وقلب نقي ... وحكمتها في أنها تقيم بيتها في كفة ميزان الخير لتتغلب على كفة الشر...
ترى هل ما نعانيه اليوم من استفراس وعداوة وتوحش هو بسبب غياب المحبة؟؟؟ ربما...